عيد الغدير: المناسبة التي فرّقت بين المذاهب وجمعت محبة آل البيت
مقدمة
يُعدُّ عيد الغدير من أهم المناسبات الدينية لدى المسلمين، وخاصةً أتباع المذهب الشيعي الاثني عشري، حيث يحتفلون به في الثامن عشر من شهر ذي الحجة من كل عام هجري، باعتباره اليوم الذي أعلن فيه النبي محمد (صلى الله عليه وآله) الوصاية والولاية للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعده، وذلك في غدير خم، بعد حجة الوداع.
بينما تختلف رؤية أهل السنة والجماعة لهذا الحدث، فهم يُقرّون بوقوعه وأهمية المناسبة، ولكن لا يرون فيه نصًّا بالخلافة، بل يعُدّونه منقبة لعليّ (رضي الله عنه) دون أن يرتقي لمرتبة التنصيب السياسي والديني.
غدير خم: ما الذي حدث؟
بعد أن أتمّ النبي محمد (ص) حجة الوداع، وفي طريق عودته إلى المدينة، توقف في منطقة تُسمّى غدير خم (بين مكة والمدينة)، حيث اجتمع حوله عشرات الآلاف من الحجيج. وهنا خطب النبي خطبة طويلة ومشهورة، وجاء فيها:
"من كنت مولاه، فهذا عليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار".
📚 مصادر الحديث:
- الشيعة: الحديث متواتر عندهم، ويرونه نصًا صريحًا بالوصاية.
- السنة:
- رواه أحمد بن حنبل في مسنده (ج 4، ص 281).
- رواه النسائي في الخصائص.
- رواه الترمذي: سنن الترمذي (ج5، ص 633، رقم 3713).
- رواه الذهبي وابن حجر العسقلاني في فتح الباري.
عيد الغدير عند الشيعة: يوم البيعة والولاية
1. البيعة للإمام علي (عليه السلام)
يعتقد الشيعة أن عيد الغدير يمثل يوم إكمال الدين، استنادًا إلى الآية القرآنية:
"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا"
(سورة المائدة: 3)
يُجمع علماء الشيعة على أن هذه الآية نزلت بعد إعلان النبي لولاية الإمام علي في غدير خم، ويُعتبر هذا اليوم بمثابة تنصيب رسمي للإمام علي كخليفة من قبل الله تعالى عبر نبيه، ويُسمّى هذا المفهوم بـ الخلافة الإلهية.
2. وصية النبي (ص)
تُعتبر خطبة الغدير عند الشيعة وصية النبي الأخيرة السياسية والدينية، ويُفهم من قوله (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه) أنه أراد انتقال القيادة الروحية والسياسية من بعده إلى الإمام علي (عليه السلام)، الذي يمثل الامتداد الشرعي للنبوة.
3. الاحتفال بعيد الغدير
- الصيام، والزيارات، وإقامة الاحتفالات، وتبادل التهاني.
- الأعمال المستحبة: الغُسل، صلاة ركعتين، قراءة دعاء الندبة، تجديد البيعة للإمام علي (عليه السلام).
رؤية أهل السنة لعيد الغدير
1. الحديث صحيح ولكن بدون دلالة على الخلافة
يقر علماء أهل السنة بصحة حديث الغدير، لكنهم يُفسرون لفظ "مولى" على أنه يعني المحب أو النصير وليس الخليفة أو الوصي.
2. لا وجود لعيد الغدير في مناسباتهم الدينية
أهل السنة لا يحتفلون بهذا اليوم، ويرون أن الاحتفال به بدعة، لأنه لم يرد عن النبي ولا عن الصحابة أنه تم اتخاذ هذا اليوم كعيد رسمي.
3. تفسيرات أخرى
يفسر بعضهم آية: "اليوم أكملت لكم دينكم" بأنها نزلت أثناء حجة الوداع، وليس بعد حادثة الغدير، وبالتالي لا علاقة لها بتنصيب الإمام علي.
أهمية عيد الغدير في العقيدة الشيعية
1. يمثل محور الولاية، وهي أصل من أصول الدين
الولاية عند الشيعة هي الإيمان بأن الإمام علي (عليه السلام) هو الوصي والخليفة الشرعي بعد النبي.
"بُني الإسلام على خمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية"
(الكافي، ج 2، ص 18)
2. إثبات أن الإمامة عهد إلهي
كما أن الله اختار الأنبياء، فإن الإمام علي تم اختياره بأمر إلهي عبر النبي. وبالتالي، فإن الخلافة ليست شورى ولا انتخاب، بل نص ربّاني، ويوم الغدير يُجسد هذا المفهوم بوضوح.
3. الرد على الانقسام التاريخي بعد وفاة النبي
يرى الشيعة أن تجاهل الغدير بعد وفاة النبي أدى إلى خلاف سياسي وديني، وسُلبت الخلافة من صاحبها الشرعي، مما أدى لاحقًا إلى الانقسام الإسلامي الكبير.
📚 مصادر شيعية وسنية معتمدة:
| المرجع | المذهب | نوع المصدر |
|---|---|---|
| نهج البلاغة | شيعي | خطب وكلمات الإمام علي |
| الكافي للكليني | شيعي | حديث وفقه وعقيدة |
| بحار الأنوار للمجلسي | شيعي | موسوعة روائية |
| مسند أحمد بن حنبل | سني | حديث نبوي |
| سنن الترمذي والنسائي | سني | حديث نبوي |
| صحيح مسلم وصحيح البخاري | سني | مناقب لعلي، لا يرد لفظ الغدير صراحة |
| فتح الباري لابن حجر | سني | شرح حديثي |
خاتمة
يبقى عيد الغدير مناسبة مفصلية في التاريخ الإسلامي، اختلفت حولها التفاسير، ولكنها جمعت على فضل الإمام علي بن أبي طالب ومكانته العظيمة في الإسلام. يحتفل الشيعة بها باعتبارها يوم الوصاية والولاية، بينما يرى السنة أنه يوم فضيلة لا يرتقي إلى مستوى التنصيب. وفي كلتا الحالتين، تبقى شخصية الإمام علي (عليه السلام) شخصية فذّة تُمثّل الحكمة والشجاعة والعدل في الإسلام.