محرم وعاشوراء: بين الرواية والتاريخ والمكانة الإسلامية

شهر محرم هو الشهر الأول في التقويم الهجري، ويكتسب أهمية دينية كبيرة في الإسلام، إذ يعتبر من الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال. ولكن شهر محرم يرتبط في الذاكرة الإسلامية أكثر بـ واقعة كربلاء، حيث قُتل الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه على يد جيش يزيد بن معاوية في العاشر من هذا الشهر، في واقعة حوّلت مجرى التاريخ الإسلامي، ورسّخت مفاهيم المقاومة والكرامة والعدالة.
تحتل عاشوراء مكانة خاصة في وجدان المسلمين، خصوصًا أتباع مدرسة أهل البيت (ع)، حيث تُقام المجالس الحسينية، وتُرفع الرايات، وتُقرأ المراثي، وتُحيى ذكرى الاستشهاد بأساليب تعبيرية متعددة تندرج ضمن الشعائر الحسينية.
محرم في القرآن الكريم
ورد ذكر الأشهر الحرم في القرآن في قوله تعالى:
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ... مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة: 36]
وهذه الأشهر هي: ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، ورجب. وقد وردت تفاسير متعددة لهذه الآية عن أهل البيت (ع) تؤكد على قدسية هذا الشهر، بل وتشير إلى خطورة انتهاك حرمته كما حدث في كربلاء.
الأشهر الحرم ومعانيها
الأشهر الحرم لها مكانة خاصة في الشريعة الإسلامية، وقد فُرض على المسلمين أن يعظموها، ويبتعدوا عن القتال والعدوان فيها. وجاء في الروايات:
قال الإمام علي (ع): "كونوا في الأشهر الحرم قوماً خشعاً، فإن لها حرمة عظيمة عند الله، ولا يُرضى بظلم فيها."
لكن المفارقة أن يزيد بن معاوية انتهك هذه الحرمة بقتله الحسين وأهل بيته، وهو ما جعل هذه الواقعة أبشع من مجرد قتل شخص أو قائد ديني، بل انتهاك لحرمة الزمان والمكان والرسالة.
أسماء وألقاب عاشوراء في المصادر الإسلامية
- يوم الحسين - كما ورد عن الإمام الرضا (ع).
- يوم البكاء - كما ورد عن الإمام الصادق (ع).
- يوم المصاب الأعظم - في روايات أهل البيت.
ولكل من هذه الأسماء دلالة، فـ"يوم الحسين" يدل على نسبته الخاصة إليه، و"يوم البكاء" يرمز إلى ضرورة التفاعل الوجداني، و"يوم المصاب الأعظم" يشير إلى ضخامة الكارثة التي لا تُقاس بأي حادثة أخرى.
كربلاء بعد الاستشهاد: آثار الحدث في الوعي الإسلامي
بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، لم ينتهِ تأثير الواقعة عند حدودها الزمنية والمكانية، بل بدأت مرحلة جديدة من الحزن، الوعي، والاحتجاج. لقد فجّرت كربلاء ثورة داخل الضمير الإسلامي، وعُدّت الشرارة الأولى لكل مقاومة ضد الظلم والاستبداد.
جاء في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «كل يوم عاشوراء، وكل أرض كربلاء»، وهي عبارة تختصر فلسفة التمرد المشروع على الطغيان في كل زمان ومكان.
دور الإمام السجاد (ع) والسيدة زينب (ع) بعد الواقعة
لعب الإمام زين العابدين (ع) دورًا محوريًا في فضح أركان الجريمة التي ارتكبها يزيد، وذلك من خلال خطبه في الكوفة والشام، حيث عبّر عن مظلومية أهل البيت وأعاد توجيه بوصلة الأمة نحو الحق.
أما السيدة زينب (عليها السلام)، فقد كانت "بطلة كربلاء"، بصبرها، وبلاغتها، وثباتها في وجه الطاغية. قالت في مجلس يزيد: "فكد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا..."، وكانت كلماتها إعلانًا بأن دم الحسين لن يُنسى أبدًا.
الشعائر الحسينية: من البكاء إلى المواكب والزنازين
توسعت الشعائر الحسينية عبر العصور لتشمل:
- البكاء: وهو من أبرز الشعائر، وقد وردت روايات كثيرة تحث على البكاء على الحسين. منها قول الإمام الرضا (ع): «من بكى أو أبكى أو تباكى على مصابنا وجبت له الجنة».
- المجالس: مجالس العزاء التي تُقام لذكر تفاصيل الواقعة والتأمل في أبعادها الدينية والسياسية.
- اللطميات والمواكب: أدوات تعبير شعبي تعكس ارتباط الأمة بالإمام الشهيد.
- المشي إلى كربلاء: خاصة في الأربعين، وقد أصبح من أكبر التجمعات الدينية في العالم.
ورغم التضييق من السلطات على مرّ التاريخ، استمرت هذه الشعائر كوسيلة لإحياء المظلومية، وتعليم الأجيال معنى الحق.
محرم في الأدب والشعر
أنجب الحزن الحسيني آلاف القصائد التي تُعد من أعظم ما كتب في الأدب العربي والفارسي والأردو والتركي، ومن أبرز الشعراء الذين كتبوا في محرم:
- الشيخ محسن أبو الحب
- السيد حيدر الحلي
- الشاعر محمد مهدي الجواهري
ومن أبيات الشعر الخالدة:
أعَينُ جودي بدمعٍ منكِ منسكبِ ... نوحي على الطفّ لا تبقي ولا تذري
عاشوراء وثقافة الثورة والاحتجاج
كان لعاشوراء تأثيرٌ مباشر على حركات التحرر في التاريخ الإسلامي، ومن أبرزها:
- ثورة التوابين
- ثورة زيد بن علي
- ثورة الإمام الخميني، حيث كان شعار "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء" حاضرًا بقوة
وقد رُفع اسم الحسين في الميادين العربية والعالمية كمثال للحق والمقاومة ضد الدكتاتورية.
الأسئلة الشائعة حول شهر محرم وعاشوراء
هل محرم من الأشهر الحرم؟
نعم، محرم هو أحد الأشهر الأربعة الحرم في الإسلام، وقد حُرِّم فيه القتال إلا ما فعله بنو أمية من سفك للدماء فيه.
ما هي أبرز الروايات عن النبي (ص) في محرم؟
قال النبي محمد (ص): «إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدًا» – كما وردت روايات تشير إلى بكاء النبي على الحسين قبل ولادته.
لماذا يمشي الناس إلى كربلاء؟
يمشي الملايين من الزوار سنويًا في ذكرى الأربعين من كربلاء وفاءً للحسين (ع)، وتجديدًا للعهد بنصرة المظلوم ومقاومة الطغيان.
ما موقف الإسلام من الشعائر الحسينية؟
رغم اختلاف الآراء الفقهية، تؤكد مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) على أهمية إحياء الذكرى بكل أشكال التعبير المشروع التي لا تسيء للدين ولا تخرج عن الأخلاق.
خاتمة: عاشوراء.. مدرسة متجددة
عاشوراء ليست حدثًا تاريخيًا فقط، بل مدرسة متكاملة تعلّمنا كيف نحيا بكرامة، وكيف نقاوم، وكيف ندافع عن القيم. لقد علّمنا الإمام الحسين (عليه السلام) أن الدم ينتصر على السيف، وأن الحق لا يُقاس بالكثرة.
علينا أن نُعيد قراءة عاشوراء كل عام لا بكاءً فقط، بل وعياً وموقفًا ورسالة... فالحسين لم يُقتل ليُبكى عليه فقط، بل ليُخلّد في ضمير الأمة حارسًا للعدالة وكرامة الإنسان.